29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | يا من تموتون من أجل مصر ... عيشوا من أجلها

إيقاع مختلف | يا من تموتون من أجل مصر ... عيشوا من أجلها

(أرشيف المشهد)

6-10-2011 | 00:45

من أكبر الأخطاء التى يمكن أن يرتكبها الإنسان أن يفكر بطريقة تقليدية حين يكون بإزاء حدث استثنائى، أو أن يحاول أن يُخضع حدثا عظيم الدلالة بالغ الأثر لمنطلقات سابقة  لديه، وصلت – لفرط رسوخها فى ذهنه - إلى حد التعامل معها كمسلمات، وهذا للأسف ما يحدث للكثيرين منا فى تعاملهم مع الثورة المصرية العظيمة،  وهو ذاته ما حدث ويحدث معى أنا شخصيًا على الرغم من محاولاتى المتتالية للإفلات من أسره.

حين أشرق ليل الحادى عشر من فبراير وجدت شعارا واضحا يتبادر إلى ذهنى ، تقول كلماته: "الشرفاء يتقدمون" وكأنه كان تجسيدا لكل المعاناة التى عاناها أصحاب المواقف الشريفة فى العهد السابق الذى كان يؤمن بأن " الأسماك الميتة وحدها التى ينبغى أن تطفو على السطح".

نعم كان وجود الرجل فى أى مكان متقدم أو على رأس أي مؤسسة اجتماعية دليل إدانة له أو على الأقل مثار شك وريبة وشبهة فساد أو انصياع للفساد؛ لذلك كان الشرفاء الحقيقيون يؤثرون الابتعاد عن الصدارة، حتى لو كان ذلك يعنى امتناعا عن أداء دور لا يستطيع غيرهم أن يؤديه، أما وقد ثار المصريون جميعا ثورة عارمة كانت موجهة فى المقام الأول إلى الفساد بكل ألوانه السياسية والاجتماعية والمالية والأخلاقية، إلى آخر الصور التى عبر الفساد بها عن نفسه، فقد تصورت أن الباب قد أصبح مفتوحا أمام الشرفاء الذين أصبح من حقهم – بل من واجبهم - أن يتقدموا ليقودوا المجتمع إلى الأمام، وأنه لم يعد لأى منهم من مبرر للتراجع أو التخاذل أو الابتعاد.

ظلت هذه الفكرة تملؤنى  حتى وجدت الأحداث تمضى بى نحو اقتناع جديد يعبر عن نفسه فى  شعار جديد تقول كلماته "نحن فى موسم حرق الشخصيات" فبعد أن وجدت كل من يتقدم لأداء دور أو النهوض برسالة يصبح هدفا للسهام من كل جانب، وبعد أن رأيت شخصيات عديدة انتقلت فى أيام معدودة من رأس قائمة من تطالب بهم القوى الثورية إلى رأس قائمة من تطالب هى ذاتها بالإطاحة بهم، فضلا عن تلك الشخصيات التى تقدمت طواعية لأداء أدوار مهمة، فكان ذلك إيذانا بالتفتيش فى ملفاتها الشخصية عما يدين أو حتى يثير الشك ويوجه الاتهام ، وبعد أن انتشرت ظاهرة الأيدى المرتعشة التى تعنى أن صاحب كل قرار يمتنع عن إصداره خشية أن يعرضه هذا للعقوبة أو حتى للغضب الشعبى العارم، بدأت تتبلور فى ذهنى فكرة أننا فعلا نحيا فى هذا الموسم الذى يجعل كل الشخصيات عرضة للاحتراق.

كان على إذن مراجعة الشعار الأول "الشرفاء يتقدمون" بعد أن زاحمه الشعار الثانى "نحن فى موسم حرق الشخصيات"، وعلى الرغم مما يحمله هذا التزاحم من قلق حقيقى لأنه يعنى ببساطة أن كثيرا من الشرفاء ذوى الكفاءة سوف يترددون كثيرا قبل أن يتصدوا لأداء الدور الذى يجيدونه، إلا أننى كان على أن أنصاع لمنطق الأحداث وليس أن أخضعها هى لرؤيتى لأننا بإزاء حدث كبير اسمه الثورة.

كذلك فإن الشعار ذاته يحمل بين طياته ما يطمئننى: فالمواسم بطبيعتها ذات حضور مؤقت، ولا بد أن يعقبها مواسم أخرى، المهم أن جدران الخوف قد سقطت، وأن صخور اعتياد الفساد قد انشقت، وأن منطق أنك ينبغى أن تكون فاسدا أو مستعدا للانصياع للفساد  قد سقط إلى غير رجعة.

إذن فقلقى من تزاحم الشعارات فى عقلى كترجمة لتناقض الأحداث مع التوقعات لم يكن شديدا، لكن القلق الحقيقى يأتينى من جهة أخرى تماما، إنه يأتينى من نبرة الإحباط التى أسمعها الآن من كثير من الثائرين والموالين للثورة بكل كيانهم، لديهم إحساس عميق بأنه يتم تبريد الثورة، أو سرقة الثورة، أو الالتفاف حول الثورة، أو اختطاف الثورة، أو إجهاض الثورة، سمه ما شئت، وهذا هو ما يقلق حقيقة، لأن من الثابت يقينا أنه لا يمكن لأحد أن يهزمك ما لم تنهزم له من الداخل، لذلك فهذه هى أكثر الأوقات التى تحتاج إلى استحضار اليقين الثورى بأن ما أنجزته الثورة لا يمكن النكوص عنه، وأن ما ترنو إليه الثورة لا يمكن التقاعس دون تحقيقه، إن مصر أمام فرصة حقيقية للتحقق لا يمكن أبدا إضاعتها أو التخاذل دونها، وعلى الذين يتصورون أن الثورة يمكن أن تضيرهم أن يتذكروا أنهم مصريون وأن تقدم مصر لكى تأخذ مكانها اللائق تحت الشمس لا يمكن أن يستثنيهم فمصريتهم ليست موضع شك أو تخوين.

هل يمكن أن أنهى مقالى دون أن أتوقف أمام الإنجاز العسكرى المعجز الذى يحمل اسم وتاريخ اليوم السادس من أكتوبر ؟؟!! بل إننى أغتنم الذكرى لأجدد تصورى الذى يتعلق برجال القوات المسلحة تحديدا، الذين يحتم عليهم شرف العسكرية المصرية ألا يتوانوا عن التضحية فى أقسى لحظات الوطن وهى الحروب، ولطالما فعلوا ذلك بأنفسهم فعلا لا قولا، وأنا أسألهم هل يمكن لمن يضحى بروحه من أجل وطنه أن يضن على الوطن بأن يصون ثورته ويصبح عامل دفع وحفز وتقدم  لا عامل تبريد أو إعاقة أو تثبيط؟؟ !!

من يستحق الانتماء إليه أو الدفاع عنه أكثر من مصر التى تبذلون الروح من أجلها وقت الحرب؟؟؟!!! إذا كنتم تختارون أن تموتوا من أجل مصر فإننا ندعوكم إلى أن تعيشوا من أجلها ... فهل أنتم فاعلون؟ 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان